الأحد، 26 فبراير 2012

استصلاح الأراضي الصحراوية تحديات تبحث عن حلول


مايو 2011
1


م. محمد برغش

الزراعة في الصحراء كغزو الفضاء. عبارة يرددها الكثير من المتخصصين والعاملين في القطاع الزراعي، فاستصلاح الأراضي الصحراوية ليس بالأمر الهين، وطريق الاستصلاح طويل عسر يلزمه العديد من القدرات البشرية والمادية، وللتعرف علي أهم التحديات التي تواجه التوسع في استصلاح الأراضي. كان لنا هذا التحقيق.
بداية فقد أكد الدكتور/ نادر نورالدين أن عمليات استصلاح الأراضي تهدف الي إضافة مساحات جديدة الي الرقعة الزراعية الحالية بهدف زيادة إنتاج الغذاء والكساء مع المحافظة علي الأراضي الزراعية القديمة من التدهور والبوار وإعادة ما يتدهور منها الي سابق وكامل انتاجيته. وتحت ضغط الزيادة السكانية تساعد عمليات الاستصلاح في ضم أراض ليست زراعية بالفطرة مثل الأراضي الرملية لتصبح أراضي منتجة للغذاء
مطبقين سياسة نغزو الصحراء قبل أن تغزونا وهي بذلك تسير عكس اتجاه التصحر. ولا تكتمل جهود الاستصلاح لزيادة الرقعة الزراعية إلا بالحفاظ علي المساحات الزراعية الحالية في كامل عنفوانها وحمايتها من التعديات بالبناء عليها نتيجة للزحف العمراني والصناعي تحت مسمي كردونات المدن حتي لا تصبح وكأنها مجرد تعويض عما نفقده من الأراضي الزراعية الخصبة وإحلالها بأراضٍ قليلة الخصوبة وضعيفة الإنتاجية وبالتالي تكون المحصلة بالسالب فيما يخص الزيادة الدورية المطلوبة في المساحة المنتجة للغذاء. فعندما تشير التقارير المصرية الرسمية الواردة في دراسات هيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء وتدعمها الدراسات الدولية الصادرة من البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة الي أن مصر قد فقدت عبر الخمسين عاما الماضية نحو مليون وربع المليون فدان من الأراضي السمراء الخصبة في الوادي والدلتا نتيجة للزحف العمراني والصناعي علي الأراضي الزراعية علي الرغم من الفجوة الغذائية المصرية التي تتجاوز نصف ما نستهلكه من الطعام، وبالتالي يكون ما تم إنجازه باستصلاحنا لمساحات مساوية في الصحراء مجرد تعويض غير متكافئ عما فقدناه من الأراضي الخصبة نتيجة للفارق الكبير في الخصوبة والقدرة الإنتاجية العالية بما يضع فدان الأراضي السمراء القديمة مساويا لخمسة أفدنة من أراضي الاستصلاح الحديثة والتي تبلغ تكاليف الإنتاج فيها في أثناء المراحل الأولي للاستزراع خمسة أضعاف تكاليف الزراعة في الأراضي القديمة وكأن الأمر بناء في جانب وهدم في الجانب الآخر ومن هنا فإن أكثر من يقدر قيمة الأراضي الزراعية هو الفلاح المصري حيث ارتوت هذه الأراضي بعرقه وعرق أجداده وبالتالي فإن الأمر لايكون بالهين عليه حين يزرع هذه الأراضي بالخرسانة المسلحة بدلا من الغذاء ويشعر وكأنه يدفن أجزاء من جسده وذاته مع تواري هذه الترب الزراعية تحت المباني الخرسانية وهو لا يفعل ذلك إلا مضطرا وتحت ضغوط أسرية شديدة الوطأة أو تحت ضغوط الفقر وإغراءات العروض السخية بالشراء بمبالغ لم يكن يتصورها، لذلك كان التشريع الذي تم في تسعينيات القرن الماضي بتجريم البناء والتعدي علي الأراضي الزراعية مع المحاكمة للمخالفين أمام محاكم أمن الدولة العليا حفاظا وتقديسا للأراضي الزراعية كمصنع دائم لا ينضب للغذاء وامتداد لفكر الفراعنة بعدم البناء علي الأراضي الزراعية مهما كانت الأسباب كما هو واضح في مكان بناء الأهرامات والمعابد والمقابر الفرعونية التي بنيت في الصحاري القريبة من الوادي والدلتا، وحتي بناء بيوت الفلاحين علي الأرض الزراعية قديما كانت من الطوب اللبن من طمي التربة حتي يمكن استعادتها مرة أخري.
وفي الوقت الحالي فلا يمكن التصور باعتماد المخطط المستقبلي لنمو القري المصرية بتوقع لمساحات جديدة لكردونات المدن والقري تبلغ نحو خمسين ألف فدان سنويا ـ أي أننا سوف نفقد مليون فدان كل عشرين عاما ونفقد كامل أراضينا الزراعية بنهاية هذا القرن ـ بسماحنا بالبناء عليها تعاطفا مع السلوك البشري الخاطئ بضرورة وجود الأبناء والزوجات ملاصقين للآباء في السكن وغير محتملين للوجود في الظهير الصحراوي الموجود بجميع المحافظات الذي لا يبعد بأكثر من عدة كيلو مترات عن أماكن التكدس السكاني بالقري المصرية.
ويضيف د. نادر أنه حان الوقت لرد الاعتبار لقطاع الزراعة الذي يستوعب أكبر نسبة عمالة في مصر. وحول المفارقة الراهنة. ومحاولات تغييب الوعي بجدوي القطاع الزراعي يشير الي أنه من غير المنطقي أن نتحدث عن التوسع في الرقعة الزراعية بالاستصلاح والاستزراع في الصحراء. بينما نهدر أراضي الدلتا بتعديات المباني. بل ونستمر حتي الان في هذا الاهدار رغم ان قيمة الفدان وجدواه في الدلتا تماثل 5 أضعاف الفدان الصحراوي!
ثم اذا كنا جادين في استيعاب الكثافة السكانية والتخطيط لتلبية احتياجاتها والتعامل مع متغيرات المناخ فلماذا الصمت علي مسلسل الإهدار للاراضي الزراعية المنتجة للغذاء؟!.
ينبغي لنا في المرحلة القادمة التي سيعاني فيها إنتاج الغذاء في العالم من التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ واستخدام الغذاء في إنتاج الوقود ومنافسة قطاعات الصناعة والتوسع العمراني للقطاع الزراعي في الحصول علي حصص أكبر من المياه العذبة بالإضافة إلي الزيادة السكانية التي تتطلب مضاعفة إنتاج الغذاء، بما يحتم علينا إزاء هذه التحديات استبعاد الأراضي الزراعية تماما من أي توسعات مستقبلية في السكن أو الصناعة أو المنتجعات والقصور السياحية وذلك لتوسعة المساحة التي يتكدس عليها المصريون من خلال الامتدادات الصحراوية في المحافظات وتخصيص امتداد صحراوي للمحافظتين اللتين لاتتمتعان بوجود هذا الظهير كما حدث من قبل في محافظة المنوفية بما يؤدي إلي توسعة هذه المدن في الأرضي المناسبة للسكن والصناعة لأنه لم يعد من المقبول أو المسبوق عالميا أن يترك شعب 95% من مساحة بلاده دون استغلال أو توطين كمثل ثري يمتلك قصرا مكونا من عشرين غرفة وتكدس وأسرته في غرفة واحدة بما يوجد أطماعا غير قانونية للغير في الصحاري المصرية الحدودية متصورين أنها لا تلزم المصريين فقد آن لنا التوسع خارج الأراضي الزراعية القديمة في الأراضي الصحراوية والتي تمتلك ثروات مستقبلية واعدة ينبغي أن نخطط للاستفادة منها.
دور الدولة ويشدد الأستاذ/ محمد عبد المجيد برغش أن عملية استصلاح الأراضي الصحراوية تواجه العديد من الصعاب والتحديات التي يجب أن تذلل أمام المستصلحين والمستثمرين، منها ما يتعلق بالملكية، حيث يجب أن تحل جميع مشاكل الملكية في الأراضي الصحراوية وقت تاريخ قيام الأوضاع القانونية، ومن ثم التعامل معهم من الجيران الملاصقين في الحدود وبنفس السعر وبسعر من تعاملت معه الوزارة داخل مساحة ملكية هؤلاء حتي يعم العدل الجميع ويكون المواطن أمام وضع جديد رفع عنه ظلما عاني منه كثيرا.
وأضاف أن البني التحتية والأساسية من أهم العوامل التي تساعد علي نجاح أي استثمارات زراعية وعدم اكتمال هذه البني التحتية الأساسية يتسبب في العزوف عن الاستثمار الزراعي، وهذا ما يعاني منه مزارعو الصحراء، فغالبا ما يستلمون الأراضي دون وجود أية سبل للزراعة، فيظل وحيداً يقاسي فيافي الصحراء دون تدخل للدولة، فالأراضي الصحراوية تتكلف كثيرا من الأموال وتتكلف كثيرا من العمالة، فكيف يترك مزارعو الصحراء دون تقديم العون لهم، مع أنهم يحققون البعد الاقتصادي للاستصلاح والاستزراع وزيادة الرقعة الزراعية وزيادة العائد من هذه الأراضي وتعظيم القيمة المضافة إليها مما ينعكس ذلك ايجابا علي الدولة، لذا فيجب أن تنظر الدولة بمعيار لايقبل أنه من أتي لهذا الاستصلاح ما جاء إلا من أجل الاعتماد علي نفسه في العيش دون أن يلقي بأعباء معيشته علي الدولة ويتكفل الكثير من أجل ذلك ثم يخلق فرص عمل لآخرين، ولكن العجب أن تتعقبه الدولة!
ففي كل دول العالم تذهب الدولة خلف من يعمرون الصحراء، بل وتوفر لهم في أغلب الأحيان كل الخدمات الأساسية والبنية التحتية وما يعين ويضمن الحياة ويجعل من يكون في الصحراء لديه جميع مقومات التسكين والتوطين. لا أن تتركهم وشأنهم دون أي دعم أو خدمة.
لذا يجب علي الدولة تحمل البني التحتية في الري والكهرباء والطرق وتوفير المياه وكذلك تطوير نظم الري ووضع الحلول المناسبة للتعامل مع التغيرات المناخية الطارئة، لأن كثيراً من المستثمرين في الأراضي الصحراوية يفتقدون الي منظومة العمل المتكامل في عملية استصلاح الأراضي لأن الدولة كانت تقوم قبل ذلك بتسلم الأراضي إما مزروعة أو مهيأة للزراعة ومعها التسكين وكل ما يساعد علي المعيشة، وكانت تدعم مشاريع الثروة الحيوانية والداجنة وتوفير الإرشاد، فانتفي ذلك واختفي وأصبح المزارع هو الذي يقوم بكل ذلك، وأصبح المسئول عن نفسه وعن مغامرة استزراع الصحراء، لقد حان الوقت لكي يكون للمصريين النصيب الأوفي من المشاريع القومية العملاقة في مجال الزراعة، فالفلاح المصري ومن ورائه المصريون كانوا الأولي بالاستثمار في مشاريع مثل توشكي بدلا مما قامت به الحكومات السابقة بفتح الباب للاستثمار الخارجي.
وشدد علي ضرورة وجود إدارة رشيدة لتلك المشاريع الكبري فتعود إلي سابق عهدها عن طريق تخصيص مساحات كبيرة تدار بطريقة 50 لرجال الأعمال والمستثمرين تمنح لهم بالمجان بشرط أن يوفر لــ 50% الأخري من الأرض عمليات الاستصلاح والبنية الأساسية لها واستزراعها وتمليكها لشباب الخريجين والفلاحين المعدمين، والذين ضافت بهم الأراضي ويكون العقد محدد المدة للاستصلاح والاستزراع وعمل البنية الأساسية بشرط تمليك 50% من المساحة ويكون لاغيا دون اللجوء إلي أي درجة من درجات التقاضي إذا ما تم عكس ذلك، وإما إن يتم اللجوء إلي النظام القديم بأن تقوم الدولة بدور الاستصلاح والاستزراع ومن ثم تمليكها لشباب الخريجين.
وهناك طرح ثالث وهو ألا يحرم مصري قادر علي الزراعة بطريقة جدية وفي خلال ثلاث سنوات للاستصلاح والاستزراع وعمل البنية الأساسية ومن خلال القانون المصري يتم تمليكها له ولأولاده بشرط الزراعة الجدية والمعيشة والإقامة عليها دون الارتباط بأي عمل حكومي ينتمي إلي الدولة حتي لا يأخذ حقوق الآخرين من الوظائف.
تحديات الاستصلاح
وأكد الدكتور/ مرتضي عيسي ـ وكيل معهد بحوث وقاية النباتات لشئون الإرشاد والتدريب أن القطاع الزراعي في مصر يمثل حوالي 80% من إجمالي المجتمع المصري ولا غرابة في ذلك فالكثير من أصحاب الفئات المختلفة يتصلون بالعمل الزراعي سواء عن طريق الميراث أو العمل الاستثماري، لذا فإن النهوض بالقطاع الزراعي يعني النهوض بالاقتصاد القومي لجميع المصريين. لذا كان من الواجب علي أجهزة الدولة المعنية أن تيسر سبل الاستثمار الزراعي بمختلف أوجهه وفروعه سواء كان نباتيا أو حيوانيا أو تصنيعيا وذلك بمد يد العون للاستثمار الزراعي الجاد والذي لا يتمثل في الماديات وحسب بل في إزاحة التعجيز الإداري غير المبرر وهذا هو الأساس للدعم الحكومي لانطلاقة الاستثمار الزراعي الواعي، ومع هذا فإن الاستثمار الزراعي في الأراضي الصحراوية في بدايته لا يكون طريقاً وردياً أو نزاهة ترفيهية لروادها بل كفاح وجهاد لمن سلك طريق الاستزراع، وفي سبيل ذلك يوجد الكثير من التحديات الكبري متمثلة في مشقة العمل ومتاعبه وهي من ضروريات النجاح، فضلاً عن التكلفة المادية اللازمة وخاصة مع تطبيق واتباع النظم الزراعية الحديثة للزراعات المختلفة بالاضافة الي اكتساب الخبرة اللازمة واستيعابها من مصادرها السليمة وبأساليبها الصحيحة وكيفية إدارة العمالة وتدريبها والقدرة علي الاحتفاظ بها لسريان تدفق العمل بصفة دائمة.
وضع اليد
ومن المشكلات الرئيسية التي تهدد الاستثمار الزراعي في الأراضي الصحراوية هي عملية وضع اليد وهذه العملية من أخطر مايمكن ويجب إلغاؤها نهائياً وعدم الاعتداد بها من الآن فصاعداً حيث يهدد وضع اليد خطط الدولة المستقبلية لعمليات الاستصلاح وكذلك يعرض استثمارات الأفراد للضياع في حالة الوضع الخاطيء لوضع اليد إذا كان في غير موضع سليم حسب مخططات وتقسيمات الدولة، ولحل هذه الأزمة فلابد من تقنين وتوفيق أحوال واضعي اليد مادامت هذه الأوضاع لا تتعارض مع المنافع العامة للدولة فيجب الانتهاء من تقنينها علي أسس سليمة وقانونية واضحة تتفق مع الواقع الفعلي لهذه الأوضاع فمن أصلح الأرض فعلاً له الحق في تملكها بالسعر الواقعي وقت وضع يده ويجب الانتهاء بأسرع مايمكن لإنهاء هذه الأوضاع القائمة، ليتم إيقاف هذه التعاملات بوضع اليد بأي شكل من الأشكال في المرحلة القادمة حتي نوقف نزيف التعدي علي أراضي الدولة باعتبارها كنز الاستصلاح الزراعي لنا للأجيال القادمة.
وإذا ماتم الانتهاء من مشكلة وضع اليد وإلغاء هذه الظاهرة نهائياً فلا يجوز أن يتم التعامل علي الأراضي من قبل الأفراد مباشرة ولكن بعد التصريح من الجهات الحكومية المعنية حتي نضمن للاستثمار الزراعي في هذه الحالة سبل الاستقرار والتقدم.
شباب الخريجين
وأضاف أن توزيع الأراضي الصحراوية بغرض استصلاحها علي شباب الخريجين هو أمر حيوي جداً، وخاصة في هذه المرحلة الشبابية الناهضة ويجب الاستفادة من التجربة السابقة في هذا المجال وتلافي أي سلبيات حدثت، ولذا فلابد من أن يتم توزيع هذه الأراضي علي خريجي الزراعة والبيطريين وبذلك يتحقق تشجيع الاقبال علي التعليم الزراعي وضمان نجاح استغلال هذه الأراضي، مع ضرورة توفير أنشطة أخري لغير الزراعيين في نفس المشروع بالتزامن مع توزيع الأراضي وتملك لباقي الخريجين كل حسب تخصصه كمشروعات فنية خدمية أو إنتاجية ومشروعات تجارية ومشروعات تسويقية وصحية، وبذلك يتحقق التكامل التوافقي للمشروع والتناغم بين مختلف الخريجين باختلاف تخصصاتهم وتبدأ نواة لكل مجتمع جديد مؤهل من جميع الجوانب.
خطوات جادة
وأشار المهندس فهمي الجايح ـ نقيب الزراعيين بالاراضي الصحراوية أن تنمية الصحراء المصرية أحد أهم عوامل التنمية بما توفره من غذاء وفرص عمل بالإضافة الي تصدير بعض المنتجات الزراعية والتعدينية غيرها، ومن المعروف أيضا أن الزيادة السكانية تلتهم إنتاج مصر الزراعي دون أن يكفيها. فإذا ما أضفنا إلي ذلك ماتلتهمه التوسعات العمرانية من أرض زراعية يتم ضمها الي الحيز العمراني فلا يبقي أمام مصر سوي ان تتوسع في استصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية وان يكون سبيلها في ذلك استخدام كل وسائل التقدم المتاحة.
وحتي يتم ذلك فلابد من ضرورة اتباع خطوات جادة للشروع في استصلاح الأراضي الزراعية، وتأتي علي رأس هذه الخطوات توزيع الأراضي الصحراوية علي الشباب بمعدل من 2 فدان الي 5 أفدنة للشاب، مع توفير الإرشاد الزراعي الفعلي عن طريق تعيين شباب من خريجي كليات الزراعة في جمعيات الإرشاد الزراعي لتقديم الدعم العلمي اللازم لشباب المشروع ومتابعة عملية استصلاح الأراضي بطريقة علمية وتقديم منحة مالية أو قرض ميسر بضمان الأرض والضمان الشخصي للشاب بدون الضمانات التي تعيق إقبال الشاب علي المشروع ويستخدم هذا القرض في بناء سكن للشاب في قطعة الأرض المراد استصلاحها بمساحة من 100 متر الي 200 متر بحد أقصي وكذلك استخدام القرض في حفر بئر مع للحصول علي المياه الجوفية وشراء مايلزم من البذور الزراعية وتوفير مايلزم لعملية الزراعة، تحديد فترة سماح للشاب يبدأ بعدها بسداد القرض وثمن قطعة الارض علي أقساط متساوية لفترة زمنية محددة مع مراعاة أن لاتكون الأقساط تعجيزية وأن تكون مناسبة للأرباح المتوقعة من المشروع.
دور الشباب
واضاف أن شباب مصر الواعد هم ثروتها الحقيقية التي تفخر بها فتعمير الصحراء واستصلاحها مشروع قومي كبير، يمكن أن يبدأه الشباب، ولكن المسئولية مزدوجة، فلابد أن يسانده صاحب القرار "الحكومة"، فالمشكلة في معظم الأحيان لاتكون في الشباب، ولكن المشكلة في توجيه الشباب، فالشباب قوي موقوتة يمكن استثمارها في أي مجال توجه فيه، وستؤتي ثمارا يانعة بإذن الله، فأولي هذه النقاط هي الوعي القومي للشباب بأن الصحراء هي ملجأ وملاذ المستقبل، وقد تغدو ثروة لايقدرها مال بعد ذلك.
مع ضرورة الاستفادة القصوي من المشروعات المقاومة. يتمثل ذلك في إبراز دور قيادات شبابية في المشروعات العملاقة، مثل: توشكي، وترعة السلام، مما يشجع الآخرين علي حذو طريقهم، فلابد من أن نثق بالشباب الثقة الكافية، بقدرتهم ونجاحهم، وأن نعطيهم الفرصة، فالشباب قادر علي العطاء، وأن نعينهم بالنظر إليهم بعين الأمل لابعين الحسرة، فالمسئولية إذا أردتم أن تضعوها علي كاهل الشباب، فألقوها والشباب عليها قادر، وستجدون نتائج مذهلة تضخ جميعها في نهضة بلادنا العظيمة "مصر" حفظها الله ورعاها.
والأمثلة علي قدرة الشباب علي تعمير واستصلاح الاراضي الحصراوية عديدة كمديرية التحرير وهي احد المشروعات الطموحة التي قامت بفضل شباب في فترة الستينيات من القرن العشرين وهي في الأساس مشروع زراعي متكامل يخدم نفسه بنفسه والفائض يخرج الي السوق وتنقسم الي قسمين التحريرالشمالي والتحرير الجنوبي وكل قسم ينقسم الي مراكز وكل مركز ينقسم الي قري، والان أصبح التحرير الجنوبي مركزا مستقلا عاصمته مدينة بدر يضم عدة قري أهمها قرية عمر مكرم التي حصلت علي جائزة أفضل قرية علي مستوي محافظة البحيرة وهي تشتهر بتصدير الحاصلات الزراعية كالفراولة إلي أوروبا، وقد خير شباب الزراعيين حينها بين الوظيفة أو تسلم الاراضي واستصلاحها فاختاروا الاستصلاح، ونجحت جهودهم في تحويل الصحراء الجرداء إلي قري زراعية منتجة.
تشجيع الاستثمار
وأكد الدكتور/ خليل المالكي ـ رئيس البحوث بمعهد بحوث وقاية النباتات ورئيس قطاع الخدمات الزراعية السابق أن استصلاح الأراضي في مصر مر بعدة مراحل اعتمدت في السابق علي الدولة في إقامة بنيتها الأساسية فعند استصلاح الأراضي في مديرية التحرير إبان الستينيات كانت عملية الاستصلاح مكلفة جدا وتستغرق أعواما طبقا للفكر السائد ثم تطور الأمر في الثمانينيات بصورة جيدة أدت إلي خلق مجتمعات جديدة منتجة في مساحات كانت تعد من المجاهل وخير مثال علي ذلك مناطق النوبارية وبنجر السكر والتحدي ووادي النقرة ووادي الصعايدة وغيرها حيث تم عمل بنية أساسية جيدة ثم وزعت مساحات الاستصلاح علي الخريجين وعلي المستثمرين صغيرهم وكبيرهم وباتت تلك المناطق الآن مجتمعات متكاملة، أما الآن وفي ظل قلة موارد الدولة علي إقامة بنية أساسية للاستصلاح ينبغي أن يكن هناك منهج للاستصلاح في الأراضي الجديدة وأن يتعامل معها المسئولون في كل الجهات والمؤسسات بمفهوم التنمية وليس بالمفهوم التجاري الذي تتعالي به الصرخات غير الواعية، فلابد أن يعي الجميع أنه لا انتعاش للاقتصاد المصري إلا من خلال الزراعة وما يقوم عليها من صناعات، وكل هذا يجب أولا الانتهاء من تسليم عقود المساحات التي قام ملاكها بتسديد ثمنها لهيئة تنمية المشروعات الزراعية للتخفيف عن كاهلهم، فضلا عن تشجيع الطالبين لاستصلاح المساحات الصغيرة وحتي 100 أو 200 فدان شريطة أن يوفروا لتلك الأراضي البنية اللازمة للاستصلاح، بالاضافة الي تقنين أوضاع من تقدموا منهم للهيئة بدلا من المماطلة والتسويق وإطلاق التصريحات شبه اليومية والتي تحمل في طياتها تضاربات تؤدي في النهاية إلي ضعف عمليات الاستصلاح وهنا لابد من إعمال القانون رقم 143 لسنة 1981 الذي يقضي بأن تتولي هيئة تنمية المشروعات الزراعية أمر المساحات المخصصة للاستصلاح وأن تتولي هيئة المجتمعات العمرانية أمر المساحات للبناء.
الروتين
وأضاف أن الروتين غير المبرر من القائمين علي العملية في الهيئة العامة لتنمية المشروعات الزراعية من أهم التحديات التي تواجه المستصلحين ومن شأن هذا الروتين المتعنت أن يعود بعمليات الاستصلاح عشرات الخطوات إلي الوراء، فإذا تكفل المستصلحون بزراعة الأراضي وتوفير البنية التحتية لها فهم بحاجة إلي المساعدة وتقديم يد العون لهم بدلا من أن تفرض عليهم قوانين تعطل مساعيهم في عمليات الاستصلاح.
وهناك بعض القيود التي تفرضها وزارة الري مثل القوانين المتعلقة بالرسوم المفروضة علي حفر الآبار التي باتت فوق قدرة المستثمر الصغير الذي يستثمر من 100:50 فدان، حيث تضاعفت رسوم حفر الآبار وإجراء الدراسات عليها أكثر من 10 أمثال مما كانت عليه، وهنا ببدو تساؤل: كيف تكون إدارة المياه الجوفية ـ وثيقة الصلة ـ بالاستصلاح في الصحراء في طنطا بعيدة عن كل مشاريع الاستصلاح في الأراضي الصحراوية؟!
إن الروتين الذي تفرضه بعض الهيئات والمؤسسات لابد وأن يذهب ونأتي بقوانين أخري تدفع بعجلة الاستصلاح الزراعي في الصحراء، فالأراضي الصحراوية أمل مصر لتنمية القطاع الزراعي لنا وللأجيال القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق